ماذا لو حرمنا من عصب حياتنا الرقميةالجديدة؟
نعيش اليوم في رفاهية غير مسبوقة فلم يسبق للبشرية أن حازت على مثل ما نملكه من علوم و تقنيات أو أدوات راحة و رفاهية، طبعا البداية كانت في العلوم لتتبعها الاكتشافات و الاختراعات لتزيد من سرعة اكتساب العلوم و تزداد الابتكارات، فلا حاجه لإعادة اختراع العجلة، و لماذا نبدأ من الصفر؟ فلنبني على ما قام به أجدادنا و هكذا نجد اننا في مئتي عام حققنا أضعاف ما حققته البشرية خلال عشرات آلاف السنين و ربما في هذه الألفية ما نحققه في يوم واحد من التقدم يعادل ما حققته البشرية في مئات السنين السابقة و لكن ماذا لو انقطعت الكهرباء فجأة؟ و بغير عودة عن كوكب الأرض بالكامل ماذا سيحدث في مثل هذا السيناريو المثير؟
- تأثير انقطاع الكهرباء على البورصة و القطاع الصحي والإعلام :
بدايةً أول من سيتأثر هو أسواق البورصة فعند انقطاع الكهرباء ستنهار أسواق البورصة مباشرة و بغضون دقائق قليلة ستخسر البشرية آلاف المليارات من الدولارات و الثروات و ستفقد بغير عودة بداخل المخدمات الإلكترونية الميتة ثروات لا يمكن تخيلها و سيتأثر القطاع الصحي بشكل كبير و فجأة سنعود إلى الطب السريري من عام 1800 فليس هناك أجهزة تصوير أو أشعه و غرف العمليات بلا فائدة و تلك الشاشات و أجهزة المراقبة و الفحص أصبحت مجرد قطع بلاستيكية، و بعد انتهاء الاتصالات و أجهزة الإعلام و الإنترنت؛ ستبدأ موجة من الارتباك تجتاح العامة و ستبدأ الشائعات بالظهور و الانتشار تليها حالة من الفوضى و الهيستيريا و بعضهم سيكون متأكداً من نهاية العالم و البعض سيفترض أن بلده تعرض لهجوم نووي و البعض الآخر سيلجأ إلى تفسيرات عجيبة لمحاولة فهم ما يحصل كأن يقولوا أن الأرض تتعرض لغزو فضائي.
- انتشار الفوضى و انهيار الحكومات :
بعد تلك الفوضى البشرية ستنتشر حالات السلب و النهب و ستبدأ العصابات السيطرة و سنجد قوى الأمن و الجيش في الشوارع للسيطرة على الشغب و لكن تلك المحاولات ستبؤ بالفشل و بانقطاع الاتصالات سوف لن يكون هناك هرمية باتخاذ القرارات و فجأة ستتحول تلك القوة النظامية إلى ميليشيات تأخذ على عاتقها فرض الأمن وفق ما يراه قائدها، لتنهار بعدها الحكومات في العالم أجمع.
- تأثير انقطاع الكهرباء على المواد الغذائية و الطبية :
ربما بعد أسبوع أو أكثر من انقطاع الكهرباء سيكون هناك نقص في المواد الغذائية و الطبية و المياه و فجأة سوف لن يكون هناك أي قيمة للنقود و سيفرض نظام المقايضة نفسه من جديد بعد نهب جميع المحلات و المستودعات و المخازن و سيبدأ الصراع على الفتات و ستكون هناك جرائم من أجل كسرة من الخبز أو كأس من الماء و ستفقد البشرية الملايين من الأبحاث و العلوم و الدراسات الموجودة في تلك الشرائح الإلكترونية الميتة و ستتحول المدن الكبيرة إلى غابات كبيرة من الإسمنت و الحديد و سينظر الكثير من البشر لأول مرة منذ سنوات طويلة إلى السماء في الليل لينسيهم جمالها لثوانٍ قليلة حجم كارثتهم ومعاناتهم.
- مرحلة التأقلم و التعايش مع الكارثة :
بعد ذلك ستبدأ مرحلة صعبة جديدة هي مرحلة التأقلم و ستبدأ محاولات جادة لإمتصاص الصدمة و السيطرة على الأمور و إعادة فرض النظام و ستتجه الأمور نحو دكتاتوريات تؤمن لاتباعها ما يسد رغباتهم مقابل الخضوع التام و تبني مجتمعات مصغرة ربما عدة مئات أو آلاف تتبعها و هدفها الوحيد أن تعيش لليوم التالي، و ستظهر أيضا مجتمعات مصغرة ديموقراطية تحمل ما تبقى من الإنسانية و تعتمد على التعاون بين أفرادها لتتخلص من الصعاب، و ستبدأ بالزراعة و الصناعات البدائية لتأمين ما تحتاج و تتعلم أن تدافع عن نفسها ضد المجتمعات الطفيلية التي تعيش على النهب و السرقة و ستكون تلك المجتمعات الإنسانية نواة لما يمكن أن تتجه إليه البشرية و ستتواصل تلك المجتمعات الإنسانية مع بعضها لتظهر قيادات جديدة و أفكار جديدة و تقدم الحلول و البدائل لمشاكلهم و همومهم.
- في النهاية :
ستتعلم البشرية أن تعتمد على إنسانيتها من جديد و ستقوم بالاعتماد على ما يفيد المرحلة الراهنة كالزراعة و الصناعات الأساسية البسيطة لبعض الأدوية و الملابس و سيتم الاستغناء عن كل ما هو غير مفيد كأدوات الرفاهية و الراحة و ستبدأ منظومة تعليمية بالظهور و تتبنى الأمور الزراعية و المهنية كهدف أولي ثم العناية الصحية كهدف ثانٍ و مع الوقت ستنسى البشرية تلك الكارثة المروعة و ستعود إلى بدايات عصر النهضة و سيظهر جيل جديد لم يرى التلفاز أو الهاتف المحمول و سيواجه صعوبة شديدة في فهم الإنترنت و سيعود الكتاب الورقي ليسترجع ماضيه المجيد و سنقرأ مرة أخرى و نجلس معاً في سهرات عائلية أو مع الأصدقاء و سنتعلم مرة أخرى أن ننظر في أعين بعضنا عندما نتكلم بدلاً من تلك الهواتف، و خلال تلك الكارثة المروعة سيموت مئات الملايين من البشر و ربما المليارات و ستكون النتائج أسوء كلما كانت المجتمعات متطورة فالدول المتقدمة ستعاني أكثر من الدول المتخلفة، إن هذه المفارقة المضحكة ستكون درساً قاسياً و على الأغلب أننا سننسى هذا الدرس و سنخترع العجلة من جديد.